مدينة تكاوست عاصمة وادي نون


على بعد حوالي عشرة كلمترات عن مدينة كلميم، توجد قرية القصابي وجارتها واعرون، اللتان يعتبرهما بعض المهتمين بتاريخ المنطقة امتدادا للمدينة التاريخية الشهيرة تاكاوست. هذه المدينة المندثرة التي لعبت أدوارا تاريخية وتجارية مهمة في المنطقة المنتشرة على ضفاف وادي نون، كما أنها أصبحت عاصمة هذه المنطقة بعد إخلاء مدينة نول لمطة وانقراضها، وكذا بعد انصرام دور تيغمرت التي كانت عاصمة لمملكة بوطاطا. الأهمية الاستراتيجة والتجارية التي ستنتقل إلى تكاوست بعد تدمير نول لمطة من طرف عبد المومن بن علي الكومي، ستجعل منها إحدى أهم حواضر الجنوب المغربي بالسوس الأقصى -كما يسميه أغلب كتاب تاريخ المغرب-. وذلك بعد نكبة سكان نول لمطة عقابا لهم على وفائهم وبقائهم على عهد المرابطين الذين كانت علاقتهم باللمطيين وثيقة، خاصة حين نعلم مكانة وكاك بن زلو اللمطي ومرجعيته الأساسية في تأسيس الدولة المرابطية بصفته أستاذ لعبد الله بن ياسين ومرشحه لمصاحبة عمر اللمتوني، وكذا مكانة عامل المرابطين على نول لمطة عثمان بن مندى الذي يعتبر جدا لقبيلة أيت إبراهيم والجد الأسمى للف حمل اسمه لف أيت عثمان الذي يضم تجزئة أيت النص التي يشكل أبت إبراهيم عمودها الفقري وتجزئتي أيت الخمس وأيت بلا. ومن المعلوم تاريخيا أن هذا اللف ينضاف إلى لف أيت الجمل ليشكلا معا اتحادية -ثكنة- بمنطقة واد نون وباني الغربية. ولعل في كل ذلك ما يفسر ثورة اللمطيين على الموحدين ثم إنزال هؤلاء عليهم اشد العقاب وتدمير مدينة نول لمطة التي هجرها من تبقى من سكانها إلى المكان الذي ستتأسس به مدينة تكاوست التي ستصبح عاصمة جديدة للمنطقة وتلعب نفس أدوار سابقتها مدينة نول كما هو وارد عند عبد الواحد المراكشي في تاريخ الموحدين. حين أصبحت مدينة تكاوست عاصمة جديدة لمنطقة وادي نون ستعرف ازدهارا كبيرا ورواجا تجاريا مهما، وقد ساعدها على ذلك كونها إحدى المرافئ التجارية المهمة بالمنطقة والتي لا تبعد عن الشاطئ الأطلسي إلا بحوالي مائة كلمتر. وقد زارها الحسن ابن الوزان سنة 1513م ومكث بها ثلاثة عشر يوما ليسجل حولها في كتابه وصف إفريقيا أنها: "مدينة كبيرة، وهي أهم مدن سوس على الإطلاق. بها ثمانية آلاف كانون ـ ويعني بذلك ثمانية آلاف بيت وسورها من التراب المدكوك.

تبعد عن المحيط بنحو بستين ميلا، وعن الأطلس بنحو خمسين ميلا إلى جهة الجنوب. وهي من بناء الأفارقة، يجري نهر سوس على بعد عشرة أميال منها. وفي وسط المدينة دكاكين كثيرة للتجار والصناع وسكانها منقسمون إلى ثلاث فرق يكاد القتال لا ينقطع بينهم، ويستعين كل فريق على الآخر بالأعراب الذين يناصرون هؤلاء تارة، وأولائك أخرى، بحسب ما يتلقون منهم من أموال. الأراضي الزراعية بهذه المنطقة كثيرة الإنتاج والمواشي وافرة الأعداد، يباع الصوف فيها بأحسن الأثمان ويصنع منه الكثير من قطع الثياب الصغيرة التي يحملها تجار المدينة مرة في السنة إلى تنبكتو وولاته من بلاد السودان.
ويقام السوق مرتين في الأسبوع. يتأنق سكان تكاووست في لباسهم، ونساؤهم جميلات لطيفات. وهناك عدد كثير من الرجال سمر الألوان، لأنهم متحدرون من بيض وسود. وليس لهم تم حكومة معينة، وإنما الحكم للأقوى.. أقمت بهذه المدينة ثلاثة عشر يوما مع نائب الشريف لشراء إماء سود يقمن بخدمة هذا الأمير، وذلك عام 919". انطلاقا من الأوصاف الواردة في هذا النص حول موقع مدينة تكاوست أثار الدكتوران محمد حجي ومحمد الأخضر مترجما ومحققا كتاب وصف إفريقيا من خلال تعليق ضمن هوامش الصفحة مفاده كون البعض يظن أن قرية القصابي بضواحي كلميم قائمة مكان تكاوست المندثرة، غير أنها لا تنطبق عليها الحدود والمسافات المبينة في نص الحسن الوزان فهي بعيدة عن المحيط بثلاثين كيلمترا وعن نهر سوس بأكثر من 175 كلمترا. إلا أن هناك الكثير من الكتابات التي تقول بعكس ذلك خاصة إذا ما استحضرنا الفرق بين الميل والكلمتر وقياس المسافات خلال القرن السادس عشر إضافة إلى ملحوظة أوردها المحققان حول ذكر الوزان لمجرى نهر سوس بالقرب من قرية تيدسي حيث سجلا أن نهر سوس يبعد عن هذه القرية بعشرين كلمترا لكنهما ذهبا إلى انه من المحتمل أن يكون هناك جدول من هذا النهر يمر بالقرب من الذي ذكره الوزان في ذلك العصر واندثر، نفس الاحتمال تبعا لذلك يبقى واردا في ما يخص تكاوست نفسها.



vidéo rémunérés